كشف آصف أن بعض دول الخليج تدخّل للتوسّط بين الجانبَين (أ ف ب)
خضر خروبي
الخميس 1 أيار 2025
على وقع توالي الاشتباكات الحدودية بين الهند وباكستان، خلال الأيام القليلة الماضية، وما صاحبها من تبادل قصف بالمدفعية الثقيلة، على طول الحدود الفعلية التي يبلغ طولها 740 كيلومتراً، وتحديداً في وادي ليبا وبلدات باسانغاره وبهلغام، الفاصلة بين المناطق الهندية والباكستانية في كشمير، إثر الهجوم الأخير الذي طاول الإقليم المتنازع عليه بين الجارَين النوويَّيْن، كشف وزير الإعلام الباكستاني، عطالله تارار، أمس، أن لدى بلاده معلومات استخبارية موثوقة تفيد بأن نيودلهي تنوي شنّ ضربة عسكرية على باكستان خلال مهلة تراوِح ما بين 24 إلى 36 ساعة مقبلة، «متذرّعةً» بالهجوم المذكور. وتوعّد تارار، الجارة الشرقية لباكستان، في منشور عبر منصّة «إكس»، بأنّ «أي عدوان سيُقابَل بردّ حاسم»، مؤكداً أنّ الهند «ستتحمّل المسؤولية الكاملة عن أيّ عواقب وخيمة في المنطقة».
سياق تصعيدي متبادل
وجاء كلام تارار بعد ساعات من إعلان الإذاعة الباكستانية الرسمية، إسقاط طائرة مُسيّرة استطلاعية هندية في منطقة بيمبر الواقعة في كشمير، وهو أمر لم تعلّق عليه نيودلهي، التي أغلقت، اعتباراً من مطلع الأسبوع الجاري، أكثر من نصف المواقع السياحية في الجزء الخاضع لسيطرتها من الإقليم، والمُقدَّر عددها بنحو 87 موقعاً، فيما أفاد الجيش الهندي بتجدّد الاشتباكات الحدودية مع الجانب الباكستاني، مؤكداً أن قواته ردّت «بشكل منضبط وفعّال»، من دون الإبلاغ عن خسائر في الأرواح.
وكجزء من نهج حكومة شهباز شريف المزدوج في التعاطي مع نيودلهي، أكّد وزير القانون والعدل الباكستاني، عقيل مالك، في تصريح لوكالة «رويترز»، أن حكومته تستعدّ لمقاضاة الهند دولياً على خلفية تعليقها معاهدة تقاسم مياه نهر السند، كاشفاً أنّ بلاده تدرس ثلاثة مسارات قانونية، من بينها اللجوء إلى «البنك الدولي» الذي توسّط في المعاهدة، أو التوجّه إلى أيّ من «محكمة التحكيم الدائمة» أو «محكمة العدل الدولية» في لاهاي، بدعوى أن الهند خرقت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1960، في حين أفاد وزير الدفاع الباكستاني، خواجة محمد آصف، في مقابلة مع الوكالة نفسها، بأنّ إسلام آباد عزّزت قواتها تحسُّباً لتوغّل هندي وشيك، من دون أن يكشف تفاصيل إضافية، ملمّحاً إلى اتّخاذ قرارات إستراتيجية في هذا السياق.
ولفت الوزير الباكستاني إلى أن الخطاب الهندي أصبح أكثر تصعيداً، موضحاً أنّ قواته في حالة تأهّب قصوى. وفي تطور غير مسبوق، قال آصف إنّ بلاده لن تستخدم ترسانتها النووية إلّا إذا «كان هناك تهديد مباشر لوجودنا»، مضيفاً أن إسلام آباد تواصلت مع الدول «الصديقة» مثل الصين وبريطانيا والولايات المتحدة وغيرها، لإطلاعها على الوضع.
وفي إطار الاتصالات الدبلوماسية أيضاً، كشف آصف أن بعض دول الخليج تدخّل للتوسّط بين الجانبَين، من دون أن يسمي أيّاً منها، معتبراً أن واشنطن «تنأى بنفسها» حتى الآن عن التدخل في هذه المسألة.
وكانت وكالة «الأناضول» نقلت، الأحد، عن وزير الدفاع الباكستاني، تحذيره من إمكانية اندلاع مواجهة نووية بين البلدَين، إذا لم يتم احتواء الأزمة الراهنة حول كشمير بالطرق السلمية، مؤكداً أن لا أدلة على تورّط باكستان في هجوم بهلغام، في موازاة زعمه بأن لا وجود لأيّ عناصر تابعين لما يُسمى بـ»جبهة المقاومة» في كشمير (والتي تشكّل امتداداً لجماعة «لشكر طيبة») على الأراضي الباكستانية، إضافة إلى اتهامه حكومة ناريندرا مودي بالوقوف خلف الهجوم، لتبرير ذهابها نحو مواجهة عسكرية مع إسلام آباد، في إشارة إلى حسابات داخلية خاصة بمودي.
وفي الإطار نفسه، صرّح آصف، في حديث إلى وكالة «ريا نوفوستي» الروسية، أنّ الجيش الباكستاني «لا يريد تصعيد الموقف أو المبادرة بأيّ شيء»، محذّراً الهند من «ردّ أكثر من متناسب»، في حال حاولت غزو جارتها.
يرى محلّلون أنّه سيترتّب على بكين دفع تكاليف باهظة لأيّ حرب ستخوضها حليفتها إسلام آباد ضدّ نيودلهي
وعلى المقلب الهندي، فقد حملت المواقف نبرةً لا تقلّ حزماً، عن نظيرتها في باكستان؛ إذ منح رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، قواته «حرية التحرّك» للردّ على هجوم بهلغام. وفي هذا السياق، ذكر مصدر لوكالة «فرانس برس»، أنّ الزعيم الهندي أكّد لقادة الجيش والأمن، في اجتماع مغلق، أن حكومته «تعتزم توجيه ضربة ساحقة للإرهاب». ونقل المصدر نفسه عن مودي، قوله إن القوات المسلحة الهندية تتمتّع «بحرّية تحرّك كاملة لتحديد أسلوب وأهداف وتوقيت ردّنا على الهجوم الإرهابي» في كشمير، معرباً عن «ثقته التامّة بالقدرات المهنية» لتلك القوات، ومنحها دعم حكومته الكامل.
وساطات ودعوات لضبط النفس
ومع دعوة «مجلس الأمن الدولي»، في جلسة عُقدت في الـ26 من نيسان، طرفَي الصراع، إلى «ضبط النفس»، عقب اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الصيني وانغ يي، ونظيره الباكستاني محمد إسحق دار، دعت وزارة الخارجية الصينية، الطرفَين إلى تغليب لغة الحوار، وحلّ الخلافات الثنائية بينهما بالطرق السلمية، مرحّبةً بجميع الإجراءات لتهدئة الوضع. وأضافت الخارجية الصينية، في بيان، أنها تدعم تحقيقاً عادلاً ونزيهاً في الهجوم الأخير في كشمير.
من جهته، أعرب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن ثقته في أن البلدَين «سيجدان حلّاً بطريقة أو بأخرى»، مضيفاً أنه قريب جداً من كل من الهند وباكستان ورئيسَيْهما، بينما أشار السفير الإسرائيلي، رؤوفين عازار، إلى هجمات بهلغام بوصفها «النسخة الهندية من أحداث السابع من أكتوبر»، وفق تعبيره. وعلى غرار الموقفَين الروسي والمصري المؤيدَين لتسوية النزاع حول كشمير سلمياً، أمل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في أن «ينخفض التوتّر المتصاعد بين باكستان والهند في أقرب وقت ممكن، قبل أن يبلغ أبعاداً أشدّ خطورة».
أما طهران، فأبدت على لسان رأس دبلوماسيتها، عباس عراقجي، استعدادها للتوسّط في حلّ النزاع بين الجارَين النوويَّين، وهو موقف بدا أقرب إلى موقف السعودية، التي أعلنت أن وزير خارجيتها، فيصل بن فرحان، أجرى اتصالَين هاتفيَّين منفصلين مع نظيرَيه، الباكستاني إسحاق دار، والهندي سوبرامانيام جايشانكار، لبحث السبل الممكنة للتهدئة.
حسابات واشنطن وبكين
وبالحديث عن حسابات بكين وواشنطن، يرى محلّلون أنّه سيترتّب على بكين دفع تكاليف باهظة لأيّ حرب ستخوضها حليفتها إسلام آباد ضدّ نيودلهي، فيما يرجّح آخرون أن تستفيد الصين ممّا ستفرضه حرب من هذا النوع من عراقيل على خطط نيودلهي وواشنطن لتطويقها في جنوب آسيا والمحيط الهندي، وتحديداً لناحية استنزاف قدرات الجيش الهندي في نزاع مع باكستان وصرف انتباهه عن تركيزها على تطوير قدراته البحرية في المحيط الهندي وتطوير القاعدة الصناعية والتجارية للبلاد.
كما يشخّص مراقبون صعوبة خيارات واشنطن في هذا الصدد، سواء من منطلق المخاوف داخل إدارة دونالد ترامب من إمكانية أن تطيح أيّ مواجهة عسكرية باكستانية - هندية جهودها لتبريد الصراعات حول العالم، للتفرّغ لمواجهة الصين، أو من منطلق أنّ وقوع سيناريو مشابهاً سيضيّق هامش المناورة أمام الولايات المتحدة، في منطقة اعتادت فيها واشنطن خلال السنوات الماضية على الموازنة بين التناقضات الاستراتيجية، وهي تناقضات أمْلت عليها علاقة أمنية مميزة مع إسلام آباد، رغم تذبذبها من جهة، وشراكة استراتيجية مع نيودلهي بوصفها إحدى أهم أدواتها في استراتيجيتها الخاصة باحتواء الصعود الصيني في المنطقة، من جهة أخرى، سواء من خلال إدماج الهند بتحالفات أمنية كـ»كواد»، أو إشراكها بمشاريع ذات طابع تجاري وتكنولوجي، كمبادرة التكنولوجيا الحرجة.